السبت، 5 مارس 2011

لماذا لا يثور السوريون؟

للمرة الثانية منذ بداية موجة الاحتجاجات التي تجتاح العالم العربي يتداعى البعض لتنظيم يوم غضب في سورية, وكانت المرة الاولى منيت بفشل ذريع حيث لم ينزل للشوارع سوى رجال الأمن الذين ارادوا التأكد ان شيئا لن يحدث, والآن يحاول البعض (والذين لن اسميهم نشطاء) تنظيم يوم غضب جديد في الخامس عشر من الشهر الجاري وهذه الدعوة لن تقل بفشلها عن سابقتها.
والسؤال هنا هو لماذا فشلت الدعوة الأولى وسوف تفشل الدعوة الثانية؟
هل الشعب السوري اقل شجاعة من غيره من الشعوب العربية كما يحاول البعض الايحاء؟
ام هل الشعب السوري راض عن وضعه الاقتصادي ولا شكاوى لديه حول الحريات العامة في البلد؟
الاجابة على السؤالين السابقين باختصار هي لا, فلا الشعب السوري اقل شجاعة من غيره من الشعوب العربية (وهو ليس اكثر شجاعة ايضا حتى لا تكون النظرة شوفينية), وايضا الشعب غير راض عن الفساد المستشري بالبلاد ولا عن مصادرة حقوقه السياسية وحرياته.
سبب فشل مثل هذه الدعوات هو اولا ان الداعين اليها هي جهات لا ينظر الشعب السوري لها باطمئنان, فاذا اردنا الحديث عن المعارضة السورية فسوف نجد انها مكروهة بشكل كبير جدا في الداخل السوري واي كلام منها يقرب الشعب من قيادته اكثر بدلا من ان يؤلبه عليها كما هو مفترض, لأن المعارضة السورية بشكل عام تتألف من جبهات تجمع بين الفساد والخيانة والعمالة, ويكفي ان يكون عبد الحليم خدام وولده جمال ورفعت الاسد وولده سومر من قيادات المعارضة حتى يبتعد الشعب عنها وحتى لا يكون لها اي مصداقية من اي نوع, طبعا هناك بعض المعارضين الشرفاء ولكنهم اولا يمثلون انفسهم وليس لهم قاعدة على الارض وثانيا اغلبهم نخبويون جدا وبالتالي هم بعيدون عن نبض الشارع الحقيقي.
ثم ان من ينظر لهذه الدعوات ومن يتحدث عنها يلمح فيها كلاما طائفيا كريها لا يمكن ان يقبله الشعب في سورية, فعلى عكس الدول الاخرى التي وحدت الثورات بين طوائفها وقبائلها وعشائرها و أعراقها, فإن الداعين لثورة في سورية يركزون في حديثهم على ترسيخ فكرة الطائفية وهو امر كريه ومأفون ولا يمكن جمع الشعب بدعوات فتنة كهذه.
ايضا السوريون بشكل عام مقتنعون بشكل كبير بأداء قيادتهم في المجال الخارجي وخصوصا بموضوع دعم حركات المقاومة كحزب الله وحماس الذين يملكون شعبية كبيرة في سورية, ورغم ان الكثيرين يقولون ان سورية هي دولة ممنعة بالكلام فقط الا ان هذا الكلام ليس دقيقا بالتأكيد ودور القيادة السورية واضح بدعم حركات المقاومة التي شكلت خط المواجهة الوحيد في العقود الاخيرة امام اسرائيل, وبناء على ذلك فإن دعوات الثورة وما يمكن ان تسببه من فوضى سوف تؤثر دون شك على حركات المقاومة وعلى جبهة الممانعة وهو امر يدركه السوريون بشكل جيد.
وايضا شخصية الرئيس بشار الاسد ليست مكروهة بين عموم الشعب السوري, رغم ان الشخصيات المحيطة به ليست محبوبة نهائيا ولكن يبقى لشخصية الاسد كاريزما واضحة بين السوريين وبالتالي هم ليسوا راغبين بالثورة عليه رغم ضيقهم من العديد  من الامور في نظامه, ويبقى لديهم حتى الآن أمل بالاصلاح الذي كثر الحديث عنه ولكن نتائجه لم تظهر حتى الآن
من كل ما سبق يمكن القول ان الشعب السوري يتصرف حتى الآن بمنتهى المسؤولية اتجاه بلده واتجاه قيادته وهو امر يجب ان يبادل بتصرفات مسؤولة من طرف النظام اتجاه شعبه بتقدير هذا الشعب والبدء الفوري والسريع باصلاحات جذرية وواضحة في مختلف المجالات, مع ملاحظة هامة وهي ان هذه الاصلاحات هي حقوق تأخرت القيادة السورية كثيرا باعطاءها لشعبها وليست منحة تعطى بالقطارة لامتصاص احتمالات الثورة, والرئيس الاسد نفسه تحدث تقريبا بهذا المعنى بحديثه لصحيفة وول سترين جورنال عندما قال ان من لم يكن يرى الحاجة للاصلاح قبل احداث مصر وتونس فإنه من المتأخر القيام بأي اصلاح
كلام الرئيس الاسد غالبا ما يكون منطقي وقريب من الشعب ولكنه لن يكون كافيا بعد الآن, السوريون يحتاجون افعالا على الارض 
باختصار السوريون لن يثورون الآن لأن الثورة ليست غيرة وعدوى ولكنها ضرورة, ولكن هذا لا يعني انهم سيبقون صامتين الى الأبد, والتجربة أثبتت ان الشعوب عندما تتكلم فإن صوتها يكون عاليا جدا وسقف طلباتها يكون عاليا جدا وغالبا لن يستطيع اي نظام وقتها استدراك الامور.
فهل هناك من يعقل هذا الكلام؟
أتمنى ذلك...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق